فور عودة سعادة إلى الوطن خاض معركة إعادة الحزب إلى مساره القومي الاجتماعي في مواجهة بعض أبعضاء إدارته العليا. وعندما لم تفلح المعالجات الهادئة لعملية الانحراف العقائدي أصدر مرسوماً بطـرد رموز الانحراف وعلى رأسهم نعمة ثابت ومأمون أياس ثم فايز الصايغ لاحقاً.
بعد انتهاء مفاعيل مذكرة التوقيف، وحسم الخلافات الداخلية في الحزب، تفرغ سعاده للعمل العلني في مواجهة الأوضاع القومية المصيرية، وبصورة خاصة مسألة الاغتصاب اليهودي لفلسطين، ومع اقتراب ذكرى وعد بلفور (تشرين الثاني 1948) التي تزامنت مع اجتماع الأمم المتحدة للنظر في الصراع القائم بين أبناء شعبنا في فلسطين والمستوطنين اليهود - الذين كانوا يتوافدون مع أسلحتهم من كافة أنحاء أوروبا وأميركا - أعد سعاده لمهرجان شعبي كبير في بيروت تعبيراً عن الرفض القومي لمشروع تقسيم فلسطين، لكن الحكومة اللبنانية عطلت المهرجان، فأصدر سعاده بيانه الشهير حول المسألة الفلسطينية داعياً فيه إلى إطلاق حركـة مواجهة قومية شاملة وإلى تنظيم المقاومة الشعبية المسلحة، مستنهضاً طاقات الأمة لمواجهة الكارثة المقبلة، في 29 تشرين الثاني 1947 أعلنت الأمم المتحدة قرارها الشهير بتقسيم فلسطين، وعبثاً حاول الحزب الاشتراك الواسع في الأعمال العسكرية أثناء حرب 1948، خصوصاً أن الحكومة اللبنانية حالت دون ذلك بجميع الوسائل، لكن السوريين القوميين الاجتماعيين في فلسطين ولبنان والشام والأردن تمكنوا من المشاركة في جيش الإنقاذ، وسقط منهم عدد من الشهداء. وإزاء النكبة بإعلان قيام "إسرائيل" دولة على أرض فلسطين، رأى سعاده أن الاعتماد على القوى السياسية المهيمنة على الأنظمة في الكيانات السورية أمر جدوى منه، وبدأ العمل بهدوء لتشكيل جهاز قيادي من أعضاء الحزب يتولى إطلاق حرب التحرير الشعبية، وأسس فرقة الزوبعة الحمراء بقيادة الرفيق مصطفى سليمان كنواة لحركة المقاومة القومية، وبموازاة هذه الخطوة ركز على إعادة بناء الحزب فكرياً وتنظيمياً، باذلاً المزيد من الجهد على إعداد الأجيال الجديدة، خصوصاً الطلبة الجامعيين، فأعاد نشاط "الندوة الثقافية" وفتح أبوابها أمام مختلف المثقفين، وقد نجح بمحاضراته في إطلاق حالة معنوية كبرى في لبنان والشام والأردن وفلسطين، تحول الحزب جراءها إلى قوة فكرية تنظيمية متفوقة فرضت حضورها القوي على الحياة السياسية في لبنان والشام والاردن، شكلت تياراً ضاغطاً على الأنظمة الكيانية المتخاذلة التي أحست بالحرج الشديد. وكان رد فعل الحكومة اللبنانية مباشراً، إذ أصدرت سلسلة قرارات منعت بموجبها الحزب من عقد الاجتماعات العلنية، وأدى تعسف حكومة رياض الصلح إلى حدوث عدة صدامات بين أعضاء الحزب والسلطة خلال احتفالات الأول من آذار 1949.
في أواخر آذار 1949 قام حسني الزعيم بانقلاب عسكري في دمشق، وأعلن في حينه أن خطوته تلك جاءت رداً على نكبة فلسطين، في هذا الوقت كانت السلطة اللبنانية تنسق مع الأحزاب الطائفية والانعزالية الداعمة لها لإنزال ضربة قاصمة بالحزب. وكانت الخطة أن يفتعل حزب الكتائب اللبنانية صداماً مسلحاً مع السوريين القوميين الاجتماعيين يكون مبرراً لزج سعاده وأعضاء حزبه في السجن. وحسب الخطة ذاتها، قامت عناصر من الكتائب اللبنانية بمهاجمة مطبعة جريدة "الجيل الجديد" في الجميزة وأحرقتها، وكان ذلك فاتحة إعلان الحرب على الحزب، إذ بادرت سلطات الأمن إلى مداهمة مراكز الحزب وبيوت محازبيه، واعتقلت أعضائه في لبنان، لكن الحكومة لم تنجح في اعتقال سعاده الذي تمكن من مغادرة بيروت، وبعد أيام وصل إلى دمشق بعد أن جاءته ضمانات من حسني الزعيم بمنحه اللجوء السياسي. وهناك بادر إلى التحضير لعمل منظم يحمي الحزب من الاندثار أمام شراسة السلطة في لبنان، فأعلن الثورة القومية الاجتماعية الأولى على النظام. ولم يكن سعاده يعرف وقتها أنه استدرج إلى فخ في دمشق، ولكن، لم تمض أسابيع حتى سارع حسني الزعيم بالتنسيق مع السفارة الأميركية في دمشق، وإثر لقائه مع موشيه شاريت "وزير خارجية الكيان الصهيوني" إلى اعتقال أنطون سعاده في 6 تموز 1949. وسلمه إلى الأمن العام اللبناني في السابع من تموز، وكان الاتفاق بين حسني الزعيم ورياض الصلح أن تتم تصفية سعاده في الطريق إلى بيروت، لكن الضابط فريد شهاب أبى تنفيذ الأوامر المعطاة لـه. وسلم سعاده إلى نور الدين الرفاعي قائلاً: "إني أسلمك انطون سعاده حياً ولا أريد أن يحمل أحدنا ثأر القوميين". لكن سعاده أعدم فجر الثامن من تموز بعد محاكمة صورية جرت بسرية تامة، ولم يعط محامي الدفاع الوقت لإعداد مرافعته، واعتبرت وصمة في تاريخ القضاء اللبناني، فقد شكل إعدامه أشهر ملف اغتيال لزعيم سياسي ومفكر قومي تآلبت على نهجه الثوري القوى التقليدية المتحالفة مع أميركا وإسرائيل، والأنظمة المتضررة من دعوته العنيدة لتوحيد كيانات سوريا الطبيعية وإقامة جبهة عربية واحدة على غرار الوحدة الأوروبية التي نشهد اليوم ارتفاع مداميكها.
استشهد سعاده فجر الثامن من تموز 1949، قائلاً لجلاديه : أنا أموت أما حزبي فباقٍ. وكان استشهاده أفصح درس تعلمته الأجيال الناهضة في الفداء القومي.