في تموز 1930ب عاد الى الوطن، وبعد إقامة قصيرة في ضهور الشوير سافر الى دمشق لدراسة إمكانية العمل السياسي فيها، كونها العاصمة التاريخية لسورية ومركز المعارضة السياسية للانتداب الفرنسي، فمارس التعليم لتأمين رزقه، وكتب سلسلة من المقالات في الصحف الدمشقية "اليوم، القبس، ألف باء"، لكنه سرعان ما عاد الى بيروت (1931) وبدأ بإعطاء دروس من خارج الملاك في اللغة الألمانية في الجامعة الأميركية. وقد أتاح له التدريس ساحة واسعة للحوار الفكري مع الطلبة والوسط الثقافي، إضافة الى منابر فكرية أتاحتها له عدة جمعيات ثقافية في بيروت، منها : العروة الوثقى - جمعية الاجتهاد الروحي للشبيبة - "النادي الفلسطيني". وقد حفلت هذه المحاضرات ببواكير فكره القومي الاجتماعي في مرحلة ما قبل إعلان الحزب، وهو ما تمخض عنه فيما بعد العقيدة القومية الاجتماعية، المنهج الفكري للحزب السوري القومي الاجتماعي الذي أسسه في 16 تشرين الثاني 1932، وكان حزباً سرياً بسبب الظروف الصعبة الناجمة عن الانتداب الفرنسي على لبنان والشام.
عام 1933 أعـاد انطون سعاده إصدار "مجلة المجلة" في بيروت لتساهم في توضيح أسس النهضة السورية القومية الاجتماعية، وعلى صفحاتها ظهرت في الوطن، ولأول مرة، دراسات تحليلية لموضوع "الأمة" استناداً إلى علم الاجتماع الحديث، وبرؤية مستقلة عن نظريات الغرب التي فلسفت الأمة من منظور عرقي،.. وسياسي أحياناً أخرى.
حزيران عام 1935، وبعد أن أصبح انتشار الحزب ملموساً في الأوساط الشبابية والثقافية، أقام سعاده الاجتماع العام الأول رغم سرية الحزب، وفي هذا الاجتماع ألقى خطاباً مكتوباً هـو من أهم الوثائق الفكرية في العقيدة السورية القومية الاجتماعية، ودليل عمل حركة النهضة القومية الاجتماعية التي يهدف إليها الحزب، لكن سلطات الانتداب سرعان ما اكتشفت أمر الحزب نتيجة معلومة نقلها رئيس الجامعة الأميركية بايار خودج إلى السلطة الفرنسية، فاعتقلت في 16 تشرين الثاني 1935 سعاده وعدداً من الأعضاء بتهمة تشكيل جمعية سرية والإخلال بالأمن العام والإضرار بأمن الدولة وتغيير شكل الحكم.
وكان هذا الاعتقال الامتحان الأول لمتانة الحزب بعد التأسيس. وظهرت خلال تجربة السجن، ومن ثم المحاكمات، ميزات شخصية سعاده، كمفكر وزعيم نهضة، حيث أعلن لمعتقليه مسؤوليته الكاملة عن تأسيس الحزب شفوياً وخطياً، فأصدرت سلطات الانتداب الفرنسي قراراً بسجنه ستة اشهر، أكمل خلالها كتابة مؤلفه العلمي "نشوء الأمم" الذي صدرت طبعته الأولى عام 1938. وخرج من السجن في 12 أيار 1936.
أثار انكشاف الحزب المزيد في الاوساط الشعبية، ونشطت حركة الانتماء الى صفوفه، مما دفع بالقوى الموالية للانتداب وبالفئات الطائفية والانعزالية والتقليدية إلى التكتل لمحاربته.
اعتقلت سلطات الانتداب سعاده مرة ثانية في 30 حزيران 1936 (أي بعد أسابيع من الإفراج عنه) وظل في السجن الى 12 تشرين الثاني 1936 وخلال هذه الفترة أنجز سعاده كتابه شرح مبادئ الحزب وغايته.
أعيد اعتقاله في 15 أيار 1936 وظل في السجن حتى 9 آذار 1937.
14 تشرين الأول 1937 اصدر جريدة النهضة التي استقطبت النخبة الثقافية الشابة، وكانت صفحاتها منبراً للحوار بين السوريين القوميين الاجتماعيين ومختلف الفئات الفكرية والثقافية والسياسية في لبنان وكيانات الأمة السورية، وكان سعاده يكتب بشكل يومي، ويتناول مسائل السياسة الخارجية والأمور الفكرية والردّ على القوى السياسية المناوئة، وقد حظيت ردوده القومية على البطريرك الماروني والأحزاب الانعزالية في لبنان والشام باهتمام كبير من مختلف الأوساط. وأضاءت باكراً على المخاطر الناجمة عن الخلط بين الديني والسياسي في لبنان. وعلى الطوائف التي تحول دون قيام المجتمع المدني وتقدم حركة النهضة القومية.