من أبرز الأساليب المعهودة في العمل السياسي بجميع أنحاء العالم تقريباً، وعلى الأخص في العالم العربي، أن يلجأ طرف سياسي ما إلى إتهام طرف يكون على خصام معه بالـ"نازيّة" والـ"فاشستيّة"، مع ردّ الطرف المتهم (بفتح الهاء) التحية إلى الطرف الآخر لهذه الناحية، مع إبداء الإستنكار الشديد لمجرد الظن به على أنه نازي أو فاشستي... بكلام آخر، فلقد غدت النازيّة والفاشستيّة بمثابة الإهانة القاتلة في العمل السياسي والدعائي,,, على أن معظم الناس لا يعرفون ما هي حقيقة النظريتين "النازيّة" و:الفاشستيّة"، ويكتفون بتوجيه الإتهامات جزافاً دون التمعن والتدقيق في الموضوع... ومن المفيد إلقاء نظرة موضوعيّة حول حقيقة الفاشستيّة والنازيّة لمعرفة ما إذا كانت هاتين الفلسفتين السياسيتين تستحقان فعلاً أن تكونا موضع إهانة وإتهام، أم أن في الأمر ظلماً وإجحافاً يلحق بهما، وبصورة خاصة في العالم العربي... الفاشستيّة والنازيّة من الناحية التاريخيّة: من الناحية التاريخيّة، نشأت الحركة الفاشستيّة في إيطاليا عقب الحرب العالمية الأولى، وكانت حركة قومية إيطالية هدفت إلى إعادة المجد والنظام إلى هذا البلد. وقد إستلم زعيم الحركة الفاشستية بينيتو موسوليني الحكم بعد نجاح مسيرة قومية قامت بها حركته بإتجاه العاصمة روما سنة 1922م.، وأسس لنظام متسلط ذي طابع قومي وإشتراكي.ومن الناحية العملية، فلقد نجح موسوليني في إعادة النظام إلى بلده، كما أن سياسته الإقتصادية كانت ناجحة لجهة القضاء تقريباً على ظاهرة البطالة، وهي توفقت في إنماء مناطق الجنوب الإيطالي التي كانت محرومة جداً من هذه النواحي في الحقبات السابقة, وعلى صعيد السياسات الداخلية، فإن النظام الفاشستي كان الوحيد الذي نجح في إيطاليا على قمع جماعات الإجرام المنظم "المافيا" في جزيرة صقليّة. في ما يتعلق بالسياسات الخارجية، فإن أبرز ما تميزت بها الحقبة الفاشستية قبل نشوب الحرب العالمية الثانية كان شن حرب إستعمارية أدت بها إلى إحتلال وإستعمار الإمبراطورية الحبشيّة شرقي أفريقيا، فضلاً عن قمع ثورة عمر المختار في ليبيا,وفي ما يتعلق بالنظام النازي، فإنها نشأت أيضاً في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وهي تعتمد فلسفة قومية ألمانية، مع التشديد على التمييز العرقي "العنصري" بين الأجناس البشرية المختلفة، وتصنيف هذه الأجناس حسب درجة "رقيها".وقد إستلم الحزب النازي بزعامة أدولف هنلر الحكم في ألمانيا في أعقاب إنتخابات 1933 ، وعلى نحو دستوري 100%، وتميزت سياسته الداخلية بتحقيق نجاح تام من الناحية الإقتصادية مع القضاء على ظاهرة البطالة، وتحقيق نهضة تكنولوجية ألمانية خارقة، وأيضاً بوضع حد للإحتكارات اليهودية على بعض القطاعات. أما في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، فإنها تركزت على توحيد الأمة الألمانية، وقد حققت هذه السياسة نجاحات هامة، إلى أن أدت إلى نشوب الحرب العالمية الثانية، كما هو معروف.أسباب التعرض للنازية والفاشستية: يقول مناوئو الحركتين الفاشستية والنازية أنهما تمخضتا عن أنظمة تسلطية ( دكتاتورية) لا تحترم حرية الرأي والتعبير وتقمع كل المعارضين لها، كما أن فلسفتها كانت تتسم بالتعصب القومي والعنصري، وهو ما أدى إلى القيام بمجازر بحق الجماعات غير المنتمية إلى كل من إيطاليا وألمانيا، وبصورة خاصة "يهود ألمانيا" الذين تعرضوا لما عرف بالـ"محرقة" أو الـ"الهولوكوست".ولدى دراسة هذه النقاط على نحو موضوعي وبعيداً عن الإنجراف في تيار الأفكار والقناعات المسبقة والجاهزة للإستعمال، إذا جاز التعبير، يتضح لنا الآتي:· صحيح أن النظامين النازي والفاشستي كانا نظامان متسلطان، على أنهما إستلما الحكم بطريقة دستورية "شرعية"، وعن طريق الإنتخابات، أي بطريقة "ديموقراطية"، بالمفهوم الغربي للديموقراطية. أما لجهة ممارسات القمع، فإتها كانت أقل قسوة بكثير مما كان يجري في الإتحاد السوفياتي السابق، وفي بلدان المنظومة الإشتراكية السابقة، (على الأقل في الحقبات الممتدة بين عشرينات وستينات القرن العشرين الفائت). بالنسبة إلى قمع حرية التعبير، فإنه يمكن الجزم بأن هذه الحرية غير متوفرة في البلدان الغربية، حيث يمنع نشر أو إذاعة أي رأي مناوىء لليهود أو يشكك في حقائق "المحرقة" المزعومة، فضلاً عن سيطرة وإحتكار المجموعات المالية، وعلى رأسها الإحتكارات المالية اليهودية، على معظم وسائل الإعلام والثقافة والإعلان، ما يجعل هذه الإحتكارات قادرة على منع نشر ما لا يتناسب مع مصالحها. · في ما يتعلق بالسياسة الإستعمارية الإيطالية، فإنها لم تكن أسوأ من السياسات الإستعمارية التي مارستها بلدان غربية أخرى، وبصورة خاصة فرنسا وبريطانيا، وهي تندرج في سياق موجة غربية إستعمارية عامة إستمرت حتى أواخر خمسينات القرن العشرين. · أما بخصوص العنصرية النازية، فإنها كانت عنصرية صريحة لا لبس فيها، بينما تكفي قراءة تب ومقالات تنشر في وسائل الإعلام الغربية ليتبين وجود عنضرية مقنعة شديدة، وبصورة خاصة عنصرية معادية للعرب ولكل ما يمت إليهم بصلة. · في ما يتعلق بعداء النازية لليهود، فإن لأسبابها جذور تاريخية موضوعية تتمثل بغدر يهود ألمانيا لبلدهم خلال الحرب العالمية الثانية في أعقاب حصولهم على وعد بلفور، وذلك عن طريق إشعال ثورة شيوعية حال نشوبها دون تمكن هذا البلد من مواصلة العمليات الحربية – راجع كتب "حقيقة اليهود" و"حقيقة المحرقة" لنديم عبده. إشارة هنا إلى أن النظام النازي لم يكن ليمارس أي نوع من أنواع الإضطهاد ضد اليهود الألمان الشرفاء – على قلتهم النادرة جداً، مثلاً اليهود الذين حاربوا بإخلاص خلال الحرب العالمية ولم يغدروا بألمانيا. · في ما يختص بالمحرقة المزعومة، فإن جميع الدراسات التاريخية العلمية والموضوعية بينت زيف الإدعاءات اليهودية إزاء الوقائع والأرقام التي وردت، كما هو وارد في كتابنا "حقيقة المحرقة". · إشارة أخيرة إلى أن ألمانيا النازية لم تمارس سياسة إستعمارية – عكس إيطاليا الفاشستية- كما أن الزنوج الأفارقة الذين كانوا متواجدين في فرنسا عندما إحتلتها القوات الألمانية في بداية الحرب العالمية الثانية، لم يتعرضوا لأي نوع من أنواع الإضطهاد... · وأخيراً وليس آخراً، لا بد نم التذكير بأن كلاً من ألمانيا وإيطاليا قد دعمتا نضالات الشعوب العربية والهندية ضد الإستعمارين البريطاني والفرنسي، وذلك ليس كرمى لعيون العرب بطبيعة الحال، وإنما لتلاقي المصلحة العربية مع المصلحتين الإيطالية والألمانية في تلك الحقبة. وقد حظي العديد من كبار القادة العرب بالرعاية والدعم في تلك الفترة، كما قامت إذاعتي باري في إيطاليا و"هنا برلين، حي العرب!" في ألمانيا باللغة العربية لبث الدعاية والتوجيه ضد الإستعمار. وبالعودة إلى الشؤون العربية، ولا سيما في ما يختص بالقضية الفلسطينية، نجد بأن أعداء الحركتين النازية والفاشستية، أي الأنظمة الغربية "الديموقراطية" الليبرالية والأنظمة الشيوعية، كانت أبرز الداعمين لقيام الكيان اليهودي "إسرائيل" بعد الحرب العالمية الثانية... ومن هنا يمكن الجزم بأنه لو قدر لألمانيا وإيطاليا أن تتتصرا في الحرب العالمية الثانية، فإن مصير الدول العربية ربما لم يكن أفضل مما آل إليه بالفعل بعد الحرب، وعلى أنه وبكل تأكيد لم يكن ممكناً أن يكون أسوأ...خلاصة القول أنه من السخيف وصف كل ما هو سيء ومستنكر بأنه "نازي" و"فاشستي" من غير معرفة الحقيقة التاريخية لكل من النازية والفاشستية، على الأقل في ما يتعلق بالعرب، والأفضل التعلم من دروس الماضي وعدم المراهنة على الخيارات المخطئة، لجهة إعتماد العقائد الغربية "الديموقراطية الليبرالية"، أو العقائد الماركسية الإشتراكية. والأفضل هو التعرف إلى مصادر السوء والفساد، وهي الإحتكارية المافياوية اليهودية كما هو ثابت في أبحاثنا، ولا سيما منها كتابي "ألعبور الإنكساري" و"حقيقة اليهود"، مع السعي إلى القضاء على هذه الإحتكارية اليهودية، وذلك ليس لخدمة القضايا العربية وحسب، وإنما من أجل خير البشرية جمعاء